أود التأكيد بداية على أنني لستُ ناقداً فنياً ولا متخصصاً في تاريخ منطقة الحجاز أو باحثاً في علم الاجتماع، لذلك فإن الرأي الذي سأطرحه اليوم هو مجرد انطباع مشاهد (جداوي)، حول عمل درامي سعودي الهوية، حجازي الهوى، وضخم الإنتاج، هو مسلسل (حارة الشيخ)، وقد حرصت على عدم نشر رأيي في العمل إلا بعد مشاهدة جميع حلقاته التي تم عرضها في رمضان الماضي، وما دعاني لذلك هو الحملة الشرسة والمستغربة التي سبقت عرض المسلسل؛ بزعم إساءته لأهالي الحجاز، وردود الأفعال (الحادة) و(غير المعتادة) في بعض أوساط مجتمع جدة بعد عرض الحلقات الأولى منه.
حدث ذلك رغم تميّز العمل -من وجهة نظري- بمزايا عديدة؛ منها حبكته الدرامية، وإخراجه الجيد، وأسبقية موضوعه، ومواهب ممثليه، وجرأة طرحه، ومحاكاته للكثير مما هو معروف عن مدينة جدة؛ بدءاً من اللهجة والمفردات والملابس، ومروراً بأثاث المنازل، والفنون الشعبية، والطراز المعماري، وأسماء الشخصيات، وانتهاءً بالأواني المنزلية، والديكورات الداخلية، وحتى طرق تصفيف شعر النساء، ومن المهم أن أشير هنا إلى أن جميع تلك العناصر تتفق إلى حدٍّ بعيد مع مشاهدات الجداويين، الذين شارفت أعمارهم اليوم الخمسين عاماً؛ ممن أدركوا في طفولتهم ما تبقى من تراث جدة القديم وعاداتها وحاراتها وأزقتها؛ في القرن الماضي على الأقل.
ويبدو لي أن المبالغة في انتقاد المسلسل هي أشبه ما تكون بعقوق الأبناء، لكنه عقوق تجاه مدينتهم العريقة التي تستحق من أبنائها كل التقدير والامتنان؛ باعتبارها منارة حضارية نبذت العنصرية منذ القِدم، وانصهرت فيها كل الأعراق والثقافات، وكان من أكثر ما أثار الغرابة في موجة النقد غير المُبرّر هو اندفاع الكثير من الجداويين للتشكيك في مصداقية العمل والتقليل من قيمتة الفنية؛ بأعذار واهية -في تقديري- ولا تستند إلى أُسس موضوعية، بقدر ما تصطدم مع الكثير من الحقائق المعروفة عن مظاهر الحياة في مدينة جدة قديما، وتركيبتها السكانية المتنوعة، ومجتمعها المنفتح، مما تناقلته الأجيال وحفظته لنا الذاكرة الشعبية المتوارثة.
ولولا أنني لا أميل كثيراً لنظرية المؤامرة، وأُغلّب دائماً حُسن الظن، لأعتقدت بأن هناك من يحاول تشويه سمعة ذلك العمل، والتقليل من جهود الناجحين، أقول ذلك بسبب الهجوم المبكّر على المسلسل بمجرد بث إعلاناته قبل دخول شهر رمضان!، وزادت الانتقادات حِدّةً بعد عرض حلقاته الأولى!، كما تم تداول رسالة طويلة على إحدى مجموعات (الواتساب) التي تضم قائمة بأسماء ما يزيد على 100شخص؛ ذُكِر فيها أنهم قاموا بتقديم شكوى إلى جهة رسمية، طالبوا فيها بوقف عرض المسلسل!، بحجة تشويهه البيئة الحجازية عموماً وتاريخ مدينة جدة على وجه الخصوص!، كما هاجم الكثير من المغردين العمل، وأطلقوا ضده وسماً على تويتر بعنوان (أوقفوا_حارة_الشيخ)!.
ورغم أنه من المألوف أن تواجه بعض الأعمال التاريخية انتقادات، إلّا أن المستغرب أن يحدث ذلك لمسلسل حارة الشيخ من قِبل الكثير من أهالي جدة (تحديداً) لسببين رئيسيين هما:
1ـ أن المسلسل يتناول جانباً مهماً ومجهولاً من تاريخ مدينتهم العريقة.
2ـ أنه العمل الفني الأضخم والأول من نوعه في تاريخ الدراما السعودية.
والمُحيّر في أمر الانتقادات هو كون الجهة المنتجة هي (مِننا وفينا) وأقصد بذلك شبكة MBC الرائدة والمُموّلة سعودياً، وبذلك فهي ليست جهة أجنبية، ربما تكون قد استهدفت تشويه جانب من تراثنا وتاريخنا، بل إن (المجموعة) لم تبخل على العمل وإنما سخّرت له كافة الإمكانات الإنتاجية والإخراجية المحترفة، إضافة لحشدها طاقماً فنياً كبيراً يتألف من نحو 60 ممثلاً وممثلةً؛ منهم نخبة من أهم نجوم التمثيل في المملكة؛ بالإضافة لإتاحتها الفرصة للكثير من الوجوه الشابة الجديدة الذين ينتظرهم مستقبل فني واعد، غالبيتهم من أبناء منطقة (الحجاز).
على ضوء ما تقدم، كان المأمول من أبناء جدة أن يفخروا بمدينتهم وأن يدعموا تراثها وتاريخها بمتابعة المسلسل والترويج له، ولا بأس بنقده ولكن بشكل موضوعي وبعيداً عن المبالغة والتهويل، وذلك انطلاقاً من 3 اعتبارات هي:
1ـ كونهم مواطنين وُلِدوا وعاشوا في منطقة الحجاز وتحديداً في مدينة جدة، وبما أن العمل هو دراما سعودية (حجازية الطابع)؛ فقد كان حرياً بالمنتقدين الترحيب بالمسلسل؛ باعتباره فرصة جيدة لإطلاع جيل الأبناء على جانب مجهول من تاريخ مدينة جدة؛ خصوصاً شبابها الذين لم يعاصروا حاراتها القديمة، ممن لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً اليوم.
2ـ المسلسل تناول مظاهر الحياة الاجتماعية والتجارية، وجانباً من الأوضاع السياسية والأمنية في مدينة جدة قبل نحو مئتي عام؛ أي قبل دخول الملك المؤسس -طيب الله ثراه- لمنطقة الحجاز وما تلا ذلك من أحداث وطنية كبرى تُوّجت بتأسيس المملكة، واستتباب الأمن في مدن الحجاز؛ بعد قرون من الخوف والفِتن وعدم الاستقرار، وبالتالي فقد كان من المهم التريث في الحكم على العمل بدلاً عن مهاجمته، كونه يتيح معرفة التطور الكبير الذي حدث على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في جدة، وما آلت إليه من استقرار وازدهار بعد توحيد المملكة.
3ـ المسلسل يمثل عودة قوية للدراما الحجازية التي غابت طويلاً عن إعلامنا المرئي بعد نجاحاتها المشهودة خلال سنوات ما قبل (الصحوة) المزعومة، وما تركته من تزمّت أضر كثيراً بالحركة الفنية في المملكة؛ خصوصاً الدرامية منها، بعد نجاحاتها الكبيرة السابقة على يد جيل الرواد أمثال الفنان الكبير حسن دردير والراحلين لطفي زيني وفؤاد بخش، قبل أن تتوارى الدراما السعودية في الظل طوال العقود الثلاثة الماضية تقريباً (باستثناء الإنتاجات المخصصة للعرض الرمضاني)، رغم ما تركته من بصمات قوية على فن التمثيل في المملكة.
والأكيد هو أن أياً من منتقدي المسلسل لم يعاصر الزمن الذي دارت فيه الأحداث، وبالتالي لا يمكن الجزم بما كانت عليه الأوضاع آنذاك، يضاف لذلك عدم وجود مصادر مرجعية (مؤكدة)، تؤيد عدم دقة سياقه الدرامي، والأهم من كل ذلك أن مؤلف القصة لم يزعم أنها توثيق (تاريخي) للمدينة أو تجسيد لوقائع محددة حدثت فيها، إنما هي نتاج جهد إبداعي من خيال كاتب النص الذي دمج فيه الفانتازيا بالواقع، واستعان في ذلك ببعض المراجع والمعلومات المتاحة عن تلك الفترة.
ختاماً، فكما أن للمسلسل إيجابياته العديدة، فإن عليه بعض الملاحظات سواءً في القصة أو في الإخراج؛ إلا أن حسناته في تقديري تفوق سلبياته، لهذا أتمنى أن تكمل (إم بي سي) مبادرتها الجريئة، وتنتج أجزاء أخرى من هذا المسلسل، وأن تتوسع في إنتاج أعمال أخرى مشابهة، تتناول مختلف مناطق المملكة، خصوصاً منطقة الرياض قبل فترة تأسيس المملكة، حتى يعرف الجيل الحالي مقدار النعم والرخاء والأمن الذي نعيش فيه الآن مقارنة بالفترة التي عاصرها جيل الأباء والأجداد.
حدث ذلك رغم تميّز العمل -من وجهة نظري- بمزايا عديدة؛ منها حبكته الدرامية، وإخراجه الجيد، وأسبقية موضوعه، ومواهب ممثليه، وجرأة طرحه، ومحاكاته للكثير مما هو معروف عن مدينة جدة؛ بدءاً من اللهجة والمفردات والملابس، ومروراً بأثاث المنازل، والفنون الشعبية، والطراز المعماري، وأسماء الشخصيات، وانتهاءً بالأواني المنزلية، والديكورات الداخلية، وحتى طرق تصفيف شعر النساء، ومن المهم أن أشير هنا إلى أن جميع تلك العناصر تتفق إلى حدٍّ بعيد مع مشاهدات الجداويين، الذين شارفت أعمارهم اليوم الخمسين عاماً؛ ممن أدركوا في طفولتهم ما تبقى من تراث جدة القديم وعاداتها وحاراتها وأزقتها؛ في القرن الماضي على الأقل.
ويبدو لي أن المبالغة في انتقاد المسلسل هي أشبه ما تكون بعقوق الأبناء، لكنه عقوق تجاه مدينتهم العريقة التي تستحق من أبنائها كل التقدير والامتنان؛ باعتبارها منارة حضارية نبذت العنصرية منذ القِدم، وانصهرت فيها كل الأعراق والثقافات، وكان من أكثر ما أثار الغرابة في موجة النقد غير المُبرّر هو اندفاع الكثير من الجداويين للتشكيك في مصداقية العمل والتقليل من قيمتة الفنية؛ بأعذار واهية -في تقديري- ولا تستند إلى أُسس موضوعية، بقدر ما تصطدم مع الكثير من الحقائق المعروفة عن مظاهر الحياة في مدينة جدة قديما، وتركيبتها السكانية المتنوعة، ومجتمعها المنفتح، مما تناقلته الأجيال وحفظته لنا الذاكرة الشعبية المتوارثة.
ولولا أنني لا أميل كثيراً لنظرية المؤامرة، وأُغلّب دائماً حُسن الظن، لأعتقدت بأن هناك من يحاول تشويه سمعة ذلك العمل، والتقليل من جهود الناجحين، أقول ذلك بسبب الهجوم المبكّر على المسلسل بمجرد بث إعلاناته قبل دخول شهر رمضان!، وزادت الانتقادات حِدّةً بعد عرض حلقاته الأولى!، كما تم تداول رسالة طويلة على إحدى مجموعات (الواتساب) التي تضم قائمة بأسماء ما يزيد على 100شخص؛ ذُكِر فيها أنهم قاموا بتقديم شكوى إلى جهة رسمية، طالبوا فيها بوقف عرض المسلسل!، بحجة تشويهه البيئة الحجازية عموماً وتاريخ مدينة جدة على وجه الخصوص!، كما هاجم الكثير من المغردين العمل، وأطلقوا ضده وسماً على تويتر بعنوان (أوقفوا_حارة_الشيخ)!.
ورغم أنه من المألوف أن تواجه بعض الأعمال التاريخية انتقادات، إلّا أن المستغرب أن يحدث ذلك لمسلسل حارة الشيخ من قِبل الكثير من أهالي جدة (تحديداً) لسببين رئيسيين هما:
1ـ أن المسلسل يتناول جانباً مهماً ومجهولاً من تاريخ مدينتهم العريقة.
2ـ أنه العمل الفني الأضخم والأول من نوعه في تاريخ الدراما السعودية.
والمُحيّر في أمر الانتقادات هو كون الجهة المنتجة هي (مِننا وفينا) وأقصد بذلك شبكة MBC الرائدة والمُموّلة سعودياً، وبذلك فهي ليست جهة أجنبية، ربما تكون قد استهدفت تشويه جانب من تراثنا وتاريخنا، بل إن (المجموعة) لم تبخل على العمل وإنما سخّرت له كافة الإمكانات الإنتاجية والإخراجية المحترفة، إضافة لحشدها طاقماً فنياً كبيراً يتألف من نحو 60 ممثلاً وممثلةً؛ منهم نخبة من أهم نجوم التمثيل في المملكة؛ بالإضافة لإتاحتها الفرصة للكثير من الوجوه الشابة الجديدة الذين ينتظرهم مستقبل فني واعد، غالبيتهم من أبناء منطقة (الحجاز).
على ضوء ما تقدم، كان المأمول من أبناء جدة أن يفخروا بمدينتهم وأن يدعموا تراثها وتاريخها بمتابعة المسلسل والترويج له، ولا بأس بنقده ولكن بشكل موضوعي وبعيداً عن المبالغة والتهويل، وذلك انطلاقاً من 3 اعتبارات هي:
1ـ كونهم مواطنين وُلِدوا وعاشوا في منطقة الحجاز وتحديداً في مدينة جدة، وبما أن العمل هو دراما سعودية (حجازية الطابع)؛ فقد كان حرياً بالمنتقدين الترحيب بالمسلسل؛ باعتباره فرصة جيدة لإطلاع جيل الأبناء على جانب مجهول من تاريخ مدينة جدة؛ خصوصاً شبابها الذين لم يعاصروا حاراتها القديمة، ممن لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً اليوم.
2ـ المسلسل تناول مظاهر الحياة الاجتماعية والتجارية، وجانباً من الأوضاع السياسية والأمنية في مدينة جدة قبل نحو مئتي عام؛ أي قبل دخول الملك المؤسس -طيب الله ثراه- لمنطقة الحجاز وما تلا ذلك من أحداث وطنية كبرى تُوّجت بتأسيس المملكة، واستتباب الأمن في مدن الحجاز؛ بعد قرون من الخوف والفِتن وعدم الاستقرار، وبالتالي فقد كان من المهم التريث في الحكم على العمل بدلاً عن مهاجمته، كونه يتيح معرفة التطور الكبير الذي حدث على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في جدة، وما آلت إليه من استقرار وازدهار بعد توحيد المملكة.
3ـ المسلسل يمثل عودة قوية للدراما الحجازية التي غابت طويلاً عن إعلامنا المرئي بعد نجاحاتها المشهودة خلال سنوات ما قبل (الصحوة) المزعومة، وما تركته من تزمّت أضر كثيراً بالحركة الفنية في المملكة؛ خصوصاً الدرامية منها، بعد نجاحاتها الكبيرة السابقة على يد جيل الرواد أمثال الفنان الكبير حسن دردير والراحلين لطفي زيني وفؤاد بخش، قبل أن تتوارى الدراما السعودية في الظل طوال العقود الثلاثة الماضية تقريباً (باستثناء الإنتاجات المخصصة للعرض الرمضاني)، رغم ما تركته من بصمات قوية على فن التمثيل في المملكة.
والأكيد هو أن أياً من منتقدي المسلسل لم يعاصر الزمن الذي دارت فيه الأحداث، وبالتالي لا يمكن الجزم بما كانت عليه الأوضاع آنذاك، يضاف لذلك عدم وجود مصادر مرجعية (مؤكدة)، تؤيد عدم دقة سياقه الدرامي، والأهم من كل ذلك أن مؤلف القصة لم يزعم أنها توثيق (تاريخي) للمدينة أو تجسيد لوقائع محددة حدثت فيها، إنما هي نتاج جهد إبداعي من خيال كاتب النص الذي دمج فيه الفانتازيا بالواقع، واستعان في ذلك ببعض المراجع والمعلومات المتاحة عن تلك الفترة.
ختاماً، فكما أن للمسلسل إيجابياته العديدة، فإن عليه بعض الملاحظات سواءً في القصة أو في الإخراج؛ إلا أن حسناته في تقديري تفوق سلبياته، لهذا أتمنى أن تكمل (إم بي سي) مبادرتها الجريئة، وتنتج أجزاء أخرى من هذا المسلسل، وأن تتوسع في إنتاج أعمال أخرى مشابهة، تتناول مختلف مناطق المملكة، خصوصاً منطقة الرياض قبل فترة تأسيس المملكة، حتى يعرف الجيل الحالي مقدار النعم والرخاء والأمن الذي نعيش فيه الآن مقارنة بالفترة التي عاصرها جيل الأباء والأجداد.